أي: شرٌ لهم من العطاء، والعطاء ليس فيه شر، ولكن الله خاطب هؤلاء بحسب اعتقادهم، حيث يظنُّون أنهم إذا أنفقوا ضاق عليهم الرزق، فيقول القائل منهم: أنا عندي ألف، إذا أنفقتُ منه مائةً نقص، وصار تسعمائة، فيظنون أن هذا شر، فيقول الله عزّ وجل: إن المنع هو الشر، ولهذا قال:{بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ}. شرٌ من العطاء، فالعطاء خيرٌ، والمنع شر.
وقوله:{بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} إضراب إبطالي، وقد يأتي الإضراب في القرآن انتقاليًا كما في قوله تعالى:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل: ٦٦] فالثاني لا يبطل الأول بل يؤكده.
ثم قال:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}:
(السين) يقول علماء النحو: إنها للتنفيس، وتُفيد التحقيق. والتنفيس معناه: حصول الشيء عن قرب، والتحقيق واضح، يعني: أن كلمة (سيطوَّقون) أبلغ في التحقيق من كلمة (يطوَّقون) لأن السين تُفيد التحقيق وتُفيد أيضًا التنفيس، فتفيد (سيطوَّقون) أن هؤلاء سوف يُعاقبون هذه العقوبة حتمًا وعن قرب، ومن أين أخذنا الحتمية؟ .
الجواب: من السين الدالة على تحقق وقوع العذاب، وأخذنا القرب لأن التنفيس الذي تدلُّ عليه السين معناه القرب، فإذا قال قائل: إن تحققه معلوم، ولكن كيف يكون قريبًا؟ قلنا: إن يوم القيامة قريب، قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ