فقوله:"كما صليت على إبراهيم" المراد بذلك التوسل إلى الله، يعني: مثل ما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصلِّ على محمد، فإذا قلنا بهذا صارت الكاف للتعليل.
وبهذا التقرير يرتفع الإشكال الذي أورده بعض العلماء وقالوا: من المعلوم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إبراهيم، والقاعدة:"أن المشبه دون مرتبة المشبه به" وهنا قال: "صلِّ على محمد كما صليت على إبراهيم"، وإذا قلنا: بأن الكاف ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، وأن هذا من باب التوسل؛ يعني: أننا لا نسألك أمرًا غريبًا، بل نسألك أمرًا فعلته من قبل، فإن الإشكال هنا يرتفع ولا يبقى في هذا إشكال.
الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالايمان به وبرسله، ومنه هذه الآية:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا}، فجعلوا إيمانهم بذلك وسيلة لسؤال المغفرة {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}.
الخامس: التوسل إلى الله عزّ وجل بالأعمال الصالحة، وليس بالإيمان بالأعمال الصالحة، ومن ذلك قصة أصحاب الغار الثلاثة حين انطبقت عليهم صخرة فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، توسل أحدهم بكمال برِّه لوالديه، وتوسل الثاني بكمال عفته، وتوسل الثالث بكمال أمانته، ففرّج الله عنهم.
فإذا قال قائل: التوسل بهذا والذي قبله فيه إشكال؛ لأنه قد يقول قائل: أليس هذا إدلالًا على الله عزّ وجل، وإعجابًا وفخرًا بالعمل؟ كأنه يقول: يا رب إني فعلت كذا وفعلت كذا، فاغفر لي مثلًا.