للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل أن تكون عاطفة، فتكون (ما) معطوفة على (ما) الأولى، يعني: ما عملت من خير محضرًا، وما عملت من سوء محضرًا كذلك.

فعلى الأول: تكون جملة {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}، خبر (ما).

وعلى الثاني: يكون في الكلام حذف، تقديره: (وما عملت من سوء محضرًا).

ولكن المعنى الأول أظهر؛ لأن الأصل عدم الحذف. والاستئناف كثير وارد في اللغة العربية، وهو هنا أبلغ؛ لأن ما عملت من سوء قد يحضر، وقد يقرر به الإنسان ولا يحضر. والكلام هنا عام يشمل المؤمنين والكافرين، والمؤمن في حسابه لا يحضر له عمله السيئ، إنما يقرر بذنوبه؛ يخلو به الله عزّ وجل فيقرره، ويقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، فيقول: نعم، فيقول الله له: قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. أما الكفار فيحضر عملهم.

قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]. لأن سيئات الكفار لا تمحى، بل تحضر ويحاسبون عليها.

وبهذا يتبين أن إعراب الواو استئنافية و (ما) مبتدأ، أظهر من أن تكون عاطفة و (ما) معطوفة على ما سبق.

وقوله: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}:

يعني: زمنًا طويلًا أو مكانًا بعيدًا، وتود أنها لم تعمله،

<<  <  ج: ص:  >  >>