للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالله- أستبعد أن الله يجيب هذا الداعي، فهنا قد تخلفت إجابة الدعاء لوجود مانع. وقد تكون لمصلحة الداعي يدخر الله له عنده أعظم مما سأل، أو يعلم الله سبحانه وتعالى أنه لو أجابه لحصل عليه مضرة في دينه مثل أن تكون إجابته سبب لفتنته عن دينه، فبرحمة الله وحكمته لا يستجيب له هذا الدعاء لمصلحة الداعي، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يضجر إذا دعا الله فلم يستجب له، وأن لا يسأم ويستحسر؛ فيقول: دعوت ثم دعوت فلم يستجب لي، فإنه إذا قال ذلك: لم يستجب له، فزال الإشكال الذي قد يرد على قوله: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.

وبقي أيضًا إشكال آخر: وهو أن يقال: لا فائدة من الدعاء؛ لأن المدعو به إن كان قد كتب لك فسوف يأتيك بلا دعاء، وإن لم يكتب لك فلن يأتيك ولو دعوت، فنجيب أولًا: أن هذا قول باطل من أصله، لأنه يقتضي تسفيه الرسل والأنبياء والصالحين، بل يقتضي أن الله عزّ وجل يأمر بما لا فائدة فيه، فإن الله قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} [غافر: ٦٠]، فكيف يأمر الله عزّ وجل بأمر لا فائدة منه؟ هذا مستحيل! ثم نقول: الشيء يكتب لك لكن بسبب، فإذا كان الله قد كتب لك ذرية طيبة بسبب دعائك فإنه إذا انتفى الدعاء انتفت الذرية الطيبة؛ لأن الله قدرها -أي الذرية الطيبة- مقرونة بالدعاء.

وهل يقول عاقل: أنا لا أتزوج إن كان الله قد أراد لي ولدًا جاء بلا نكاح، وإن لم يرد لي ولدًا لم يأت ولو تزوجت، هذا لا يقوله عاقل، بل نقول: إن الله قدر الولد بالنكاح، فتزوج يأتك الولد، وهكذا الدعاء. إذن فالدعاء لا شك أنه من أقوى الأسباب في حصول المطلوب وزوال المكروه، وهذا أمر معلوم، ويكون الله

<<  <  ج: ص:  >  >>