للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تتعدى به (صدق)، فيقال: صدق بالخبر، ولا يقال: صدق له، ويقال: صدق زيدًا، ولا يقال: آمن زيدًا، بل آمن به -وآمن له- فلما اختلفا في المتعلق وجودًا وعدمًا علم أنهما ليسا بمعنى واحد، مع أن كثيرًا ممن يعرِّفون الإيمان في اللغة يقولون: الإيمان في اللغة: التصديق، وهذا فيه نظر، بل هو أخص من التصديق، أما الإيمان في الشرع فهو: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان. لا يكفي التصديق فقط بل لابد من قبول ما جاء به الرسول والإذعان له، وأنتم تعلمون أن أبا طالب كان مصدقًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعلن ذلك على الملأ فيقول في لاميته المشهورة:

لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

لا مكذب لدينا، وأنه لا يعني بقول الأباطل ولا يهتم له، ويقول:

ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا

وهذا تصديق، لكن لم يحصل منه القبول والإذعان والعياذ بالله، بل كان آخر كلامه أن قال: إنه على ملة عبد المطلب على الكفر، فشفع له النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أبلى بلاء حسنًا في الدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لا لأنه عمه، بل لأنه لو كانت العلة الحاملة لشفاعة الرسول هي القرابة، لشفع لأبي لهب، يقول عليه الصلاة والسلام: "فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" (١).


(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٨٨٣). ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، رقم (٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>