للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المكر على حقيقته؟ أو هو عبارة عن المجازاة على مكر، فسمي المجازاة على المكر مكرًا من باب المقابلة اللفظية لا المعنوية، فهو كقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤]، والمقتص لنفسه لا يسمى معتديًا لكنه يشبهه في اللفظ من باب المقابلة اللفظية لا المعنوية، أو أنه مكر حقيقي؛ لأن صنيع الله بهم مكر حيث كان القتيل منهم على أحد الأقوال أو اشتبه عليهم الأمر على القول الثاني، والصحيح في هذا أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، ولسنا أعلم بالله من نفسه، هو أعلم بنفسه وأصدق قيلًا وأحسن حديثًا، ولكنه يجب أن ينزه عن كل نقص، فالمكر هل هو من صفات النقص على سبيل الإطلاق يعني ليس فيه مدح إطلاقًا أو هو نقص في حال دون حال؟

الجواب: الثاني هو الحقيقة، أن المكر في مقام المكر مدح وصفة كمال، والمكر في غير موضعه صفة نقص؛ لأن المكر في غير موضعه خيانة، والخيانة صفة ذم، ولهذا لم يصف الله بها نفسه حتى في باب المقابلة، {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال: ٧١]، ولم يقل: فخانه؛ لأن الخيانة صفة ذم مطلقًا بخلاف {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} فقابل الله مكرهم بمكر ولم يقابل خيانتهم بخيانة.

إذن نقول: يجب أن نصف الله بما وصف به نفسه من المكر في الحال التي وصف الله فيها بالمكر، وذلك في مقابلة مكر أعدائه.

فنقول: إن الله يمكر بمن يمكرون به وبرسله وبآياته، أما أن نصف الله بالمكر على الإطلاق فنقول: إن الله ماكر ونطلق،

<<  <  ج: ص:  >  >>