للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا لا يجوز، لماذا؟ لاحتمال النقص؛ لأن المكر كما قلنا: ليس كمالًا في كل حال، ولا نقصًا في كل حال، فإذا أطلق صار قابلًا لأن يكون نقصًا، فإذا قيدت بالحال التي يكون فيها كمالًا لم يحتمل أن يكون نقصًا. إذن نقول: المكر يوصف الله به لا على سبيل الإطلاق، ولكن في الحال التي وصف الله نفسه فيها به، ولهذا جاء في الحديث: "الحرب خدعة" (١)، وكلٌّ يعرف أن الخدعة في الحرب كمال وليست بنقص، ويذكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه لما خرج إليه عمرو بن ود ليبارزه، ومعروفة هي المبارزة إذا التقى الصفان طلب المتقاتلون المبارزة، من يبرز لفلان؟ والمبارزة سبب للفتح والنصر أو للهزيمة؛ لأنه إذا تبارز الرجلان وانتصر أحدهما قويت نفوس أصحابه وضعفت نفوس الآخرين، لما خرج إلى مبارزة عمرو بن ود صاح علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقال: ما خرجت لمبارزة رجلين، فظن عمرو بن ود أنه قد تبعه أحد من قومه، فالتفت لينظر هل لحقه أحد، فلما التفت ضربه عليٌّ بالسيف حتى طن رأسه، هذه خدعة أم لا؟ محمودة أو غير محمودة؟ محمودة، لأنه جاء ليقتل عليا، فتخلص منه بهذه الخدعة، هذا يعدُّ منقبة لعلي بن أبي طالب وصفة كمال، وحينئذٍ نقول: المكر في موضعه مدح وكمال.

يقول: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، رقم (٣٠٢٩). ورواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخِداع في الحرب، رقم (١٧٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>