وحلفها، كل واحدة منهم تخاف الآن من الأخرى، وقد يكون أتى في يوم من الأيام أن أوروبا تخاف من الشيوعية أكثر مما تخاف منها هذا اليوم، فالحاصل أن الآية لا يمكن أن تحمل على النصارى الموجودين اليوم بأي حال من الأحوال.
ثم قال:{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ}.
{ثُمَّ}: يعني بعد يوم القيامة إليّ مرجعهم، ويوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين يجازون على أعمالهم، وسمّي يوم القيامة لثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن الناس فيه يقومون لله رب العالمين كما قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: ٦].
الوجه الثاني: أنه يقوم فيه الأشهاد، فالرسل يشهدون على أممهم، وهذه الأمة تشهد على الأمم السابقة، قال الله تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: ٥١].
الوجه الثالث: أنه يقام فيه العدل، قال الله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}[الأنبياء: ٤٧]، فهو يقام فيه العدل، ولهذا أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق البار المصدوق عليه الصلاة والسلام قال:"والله لتؤدين الحقوق إلى أهلها حتى إنه ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"(١) هذا عدل، أكبر العدل، فلهذا سمي يوم القيامة للوجوه الثلاثة.
ثم قال عزّ وجل:{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ}، يعني ثم بعد هذه
(١) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٨٢).