الغلبة في الدنيا أو المغالبة في الدنيا حتى يكون بعضكم فوق بعض، بعد ذلك إليّ مرجعكم أي: مصيركم، وكل المصير إلى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم: ٤٢]، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠]، الأمر إلى الله أولًا وآخرًا لكن ظهور هذا الرجوع لا يكون إلا يوم القيامة حيث يتبين فيه للناس جميعًا أن الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى يجازي كل نفس بما عملت، ولهذا قال:{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
الله أكبر، وما أعدل هذا الحكم، أحكم بينكم، بين مَنْ؟ بين الخلائق فيما كانوا فيه يختلفون، وهل الناس يختلفون في شيء؟ نعم، فمنكم كافر ومنكم مؤمن، اختلاف عظيم، فيحكم الله عز وجل بين هؤلاء وهؤلاء، ويحكم كذلك بين الرسل وأتباعهم، فتقيم الرسل البينة على أنها بلغت الرسالة وقد ينكر ذلك أتباع الرسل لكن لا يتم لهم مقصودهم، فالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إلى الله.
وقوله:{فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}، أحكم فعل مضارع فهل يشتق منه اسم من أسماء الله؟ القاعدة: أن الفعل لا يشتق منه، لكن قد وُجِدَ اسم من دون الرجوع إلى هذا الفعل وهو "الحكيم"، فإن الحكيم مأخوذ من الحُكْم والحِكْمة، ومن أسماء الله (الحَكَم) كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم"(١)
(١) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح، رقم (٤٩٥٥). ورواه النسائي، كتاب آداب القضاة، باب إذا حكموا رجلًا فقضى بينهم، رقم (٥٣٨٧).