وهذا من الحكم، فالله هو الحكم الذي يرجع الناس إليه في تحاكمهم.
{فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}: الحكم لله عزّ وجل كونًا وشرعًا، فهو الحاكم كونًا وهو الحاكم شرعًا، أما حكمه الكوني فهو نافذ على كل أحد، ولا يستطيع أحد أن يتخلص منه ولا أن يعانده، وأما الحكم الشرعي فإنه باختيار المحكوم عليه، فمن شاء فليؤمن:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]، إذن حكم الله ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي.
فالحكم الكوني ما يقدّره الله على عباده، ولا يمكن التخلف عنه، ويتعلق فيما يحبه وما لا يحبه، فيحكم كونًا بوقوع الطاعات وهذا مما يحبه، ويحكم كونًا بوقوع السيئات والمعاصي وهذا لا يحبه، لكنه عزّ وجل يحكم به كونًا لحكمة ومصالح عظيمة.
وأما الحكم الشرعي فهو ما قضاه بين العباد شرعًا، وهو الذي جاءت به الرسل، وأصله أوامر ونواهٍ، افعلوا كذا، لا تفعلوا كذا، ولا يلزم من الحكم الشرعي وقوع المحكوم به، بل قد يتخلف عنه كثير من الناس، وها هم الرسل يرسلهم الله عزّ وجل يتبعهم أناس قليلون وأناس كثيرون، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام:"ورأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد"(١) فيتخلف الحكم الشرعي.