للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض العلماء: إن هناك قسمًا ثالثًا للحكم وهو الحكم الجزائي الذي يحكم الله فيه بالجزاء على من عمل إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وعليه يتنزل قوله هنا: {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}.

الفاء هذه عاطفة على ما سبق عطف تفريق، أي: أن ما بعدها فرع عمَّا قبلها، يعني هذا الحكم يكون على هذا الوجه. {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ}، و (أما) هنا شرطية تفصيلية، يعني أنها تفيد التفصيل كما في قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥)} [الليل: ٥]، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: ٨]، وهنا قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: ٥٧]. وقوله: فأما الذين كفروا فأعذبهم، كفروا بمن؟ كفروا بالله ورسله. والكفر في اللغة: الستر، ومنه سمي الكُفُرَّى الذي هو غطاء طلع النخل، الذين كفروا ستروا ما أنعم الله به عليهم من نعمة العقل ونعمة المال والصحة وغير ذلك، حيث لم تظهر عليهم آثار هذه الأشياء، فآثار العقل أن الإنسان يفعل ما ينفعه ويدع ما يضره، ومنه سمي العقل حِجْرًا؛ لأنه يحجر صاحبه عما يضره، لكن الذين كفروا ستروا ما يقتضيه العقل من حسن التصرف وذلك بالإيمان بالله ورسله، فلذلك سموا كفارًا، أي: ساترين لما أنعم الله به عليهم من نعمة العقل التي مقتضاها الإيمان بالله ورسله.

قال: {فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.

العذاب: فعل ما به مشقة أو حصول ما به مشقة سواء كان عن ذنب أو غير ذنب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن

<<  <  ج: ص:  >  >>