للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، الخلق الذين خلقوا من آدم، ومن قبل آدم الجن، ما خلقوا إلا لهذا الأمر العظيم، لعبادة الله. لم يخلقوا ليتمتعوا في الدنيا، ولينالوا الشهوات، لا والله ولكن لعبادة الله وحده لا شريك له. ومع هذا فإنهم إذا عبدوا الله صلحت دنياهم، والغريب -لكن ابن آدم نظره قاصر- أنه إذا صلح الدين صلحت الدنيا، لكن لا يلزم من صلاح الدنيا صلاح الدين. بل إنها ربما إذا اعتني بها أكثر من الدين فسد الدين، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "والله ما الفقر أخشي عليكم وإنما أخشي عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كلما أهلكتهم" (١).

٥ - أن الحكم لله بين الناس، وأنه ليس لأحد أن يشرع من دون الله؛ لقوله: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

٦ - أن الحكم بين الناس والعبادة مقترنان؛ لأن الله قرن بينهما، {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، لأنك لن تعبد الله إلا بشريعته، إذن يلزم أن يكون المشرع هو المعبود. ما دمت تعبد الله فلن تعبده إلا بشريعته. فالمشرع هو المعبود الذي يعبد، لأنه سنَّ طريقًا أو وضع طريقًا وقال: اسلكوا هذا لتصلوا إلي، إذن كل طريق يخالفه فلن يوصل إلي الله، وهذا وجه التلازم بين قوله: (أن لا نعبد) وقوله: (ولا يتخذ)، فإن من اتخذ ربًّا من دون الله يتبعه في التحليل والتحريم فإنه لم يعبد الله؛ لأن عبادة الله لا تكون إلا بموافقة الشرع.


(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرًا، رقم (٤٠١٥). ورواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>