للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأول أشدهما عمى؛ لأنه جاهل وهو جاهل أنه جاهل. ولهذا قيل: إن الجهل المركب أشد قبحًا من الجهل البسيط، فعالم لم ينتفع بعلمه أشد إثمًا من الجاهل؛ لأن العالم الذي لم ينتفع بعلمه علم ولكنه -والعياذ بالله- لم يعمل بعلمه.

ولو سأل سائل: متى كانت غزوة الفتح؟ فقيل له: في السنة الثامنة في رمضان لكان عالمًا. إذن الله تعالى عالم، مدرك للأشياء على ما هي عليه، وعلمه تعالى تام من كل وجه أزلًا وأبدًا، فلم يزل عالمًا يعلم ما سيكون. وإذا علم وهو عالم عزّ وجل فلن ينسى، كما قال موسى عليه السلام: {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢].

قال أهل العلم: لا يوصف الله بأنه عارف؛ لأن المعرفة انكشاف بعد لبس وخفاء. ولهذا إذا علمت الصبي تقول له: هل عرفت؟ فيقول: نعم. يعني بعد أن كان خافيًا عليه صار الآن معلومًا له، فمن أجل أنها انكشاف بعد خفاء لم يصح إطلاقها على الله؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عالمًا.

ثانيًا: أن المعرفة تطلق على العلم والظن، ولهذا إذا قلنا: العلم معرفة الحق بدليله شمل قولنا: (معرفة الحق بدليله) العلم والظن؛ لأن المعلومات إما علمية وإما ظنية، لهذا لا يصح أن يطلق على الله أنه عارف.

فإن قال قائل: كيف تقولون هذا وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" (١). (يعرفك) وهذا فعل.


(١) رواه أحمد في مسنده، بلفظ: "تعرّف إليه. . ."، رقم (٢٨٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>