للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن نقول: هذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ لأن النصوص لا تكاد تحصر في إثبات محبة الله وأنه يُحِب ويُحَب {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] والمحبة غير الثواب، إذا أحب الله العبد أثابه، فالإثابة من لازم المحبة، وقولهم: (إنها لا تكون إلا بين متناسبين) هذا غير صحيح، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في أُحُد: "جبل يحبنا ونحبه" (١)، ولا مناسبة بين البشر والجبل؟ .

وثبت بالواقع المحسوس أن بعض الحيوان يحب البشر، فالناقة تحب صاحبها، وتأتي إليه من بين الناس، تبرك عنده، ولو جاء أحد غير صاحبها لنفحته برجلها، أو عضته بفمها، لكن صاحبها تحنُّ إليه وتجلس عنده، وإذا سمعت صوته وإن لم تره حنت، وكذلك بقية الحيوانات، شيء مشاهد، وهذه محبة.

الهرة تحب بعض أهل البيت دون بعض، إذا جاء أحد من أهل البيت الذين لا تحبهم هربت، وإذا جاء الذي تحب دنت منه، وجعلت تتمسح به. وهذا الشيء مشاهد، ما الذي جعلها تتمسح بهذا وتهاديه وتجلب ودَّه والثاني تهرب منه وتعاتبه؟ إنها المحبة، فدعواهم بأن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متناسبين يكذبها السمع والواقع. السمع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أُحد "جبل يحبنا ونحبه" والواقع لا يحتاج إلى إقامة بينة؛ لأن كل واحد يعرفه.


(١) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب خرص الثمر، رقم (١٤٨٢). ورواه مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>