للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (١)، وبهذا يزول الإشكال في قوله: {كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} فنقول: هل أحد قال للناس: اعبدوني ولا تعبدوا الله، أو هل أن المراد بالآية هذه هذا المعنى؟ فنقول: لا، لا يتعين، فالآية تشمل الوجهين جميعًا، تشمل من دعا إلى عبادة نفسه وأن لا يعبد الله، ومن دعا إلى عبادة نفسه وإن عبد معه الله؛ لأن الأول واضح أن يقول: اعبدوني ولا تعبدوا الله .. والثاني من لازم الإشراك أن لا تكون العبادة لله؛ لأن الإنسان إذا أشرك مع الله أحدًا فإن عبادته لله باطلة، يعني سواء وجدت أم لم توجد. ويحتمل أن يكون المراد بالدون هنا معنى سوى، [من دون الله] أي من سواه. وليس المراد منع الجمع بل من سواه أي معه، فإن صحَّ هذا التفسير فلا إشكال، وإن لم يصح فقد تقدم الإشكال وجوابه.

{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} هذا الاستدراك استدراك واقع في مقابلة النفي الذي صدرت به الآية: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله ثم يقول .. ولكن". إذن لابد أن يكون هناك حذف وتقديره: ولكن (يقول) كونوا ربانيين، أي (يقول للناس) كونوا ربانيين، كونًا شرعيًا، لا يملك أن يقول لهم كونوا كونًا قدريًا. لكن يملك أن يأمرهم شرعًا بأن يكونوا ربانيين، {رَبَّانِيِّينَ} نسبة إلى الربِّ، ونسبة إلى التربية، فالرباني هو من كان عبدًا للرب عزّ وجل، الرباني هو الذي يربي الناس على شريعة الله بالعلم والدعوة والعبادة والمعاملة، فالرباني منسوب إلى التربية وإلى الربوبية، فباعتباره


(١) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>