للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنما يقال: لقد أسلمت لله كونًا، فيجب أن تسلم له شرعًا؛ لأن الربَّ الذي يدبر الخلق كما يشاء، شاءوا أم كرهوا، هو الذي يجب أن نتمشى على شرعه. فيكون هذا كالدليل لما سبق.

وقوله: {أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، {مَنْ} أتى بمن الدالة على العاقل تغليبًا لجانب العقلاء؛ لأننا لو قسنا من في السموات والأرض لكان الأكثر العقلاء؛ لأن السموات ما من موضع أربعة أصابع إلا وملكٌ قائم لله أو راكع أو ساجد (١)، والسماء واسعة جدًّا، ما يعلم سعتها إلا الله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: ٤٧]، السماء الدنيا أوسع بكثير من الأرض، والسماء الثانية أوسع بكثير من السماء الدنيا، وهلُمَّ جرًّا .. كل سماء أوسع مما تحتها.

وقوله: {وَالْأَرْضِ} الأرض مفرد لكن المراد بها الجنس فيشمل الأرضين، والأرضون سبع بظاهر القرآن وصريح السنة. ظاهر القرآن قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢]، فإن المثلية هنا ليست بالكيفية، وليست بالكمية يعني بالثقل، السماء أعظم من الدنيا، لكنها بالعدد مثلهن في العدد.

وصريح السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين" (٢)، وفي هذا الحديث


(١) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم"، رقم (٢٣١٢). ورواه أحمد في مسنده، رقم (٢١٠٠٥).
(٢) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>