للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقضاء ما مضى. ومن ذلك ما يحدث لكثير من النساء التي تبلغ بالحيض وهي صغيرة، ولكنها لا تصوم بناء على أنها صغيرة، وأن الصوم لا يلزم إلا من تمَّ لها خمس عشر سنة، ثم تأتي تسأل، فإذا علمنا من حالها أنها معذورة بالجهل فإننا لا نلزمها بقضاء ما فات من الصيام لأنها معذورة. وهذا في الذي ينتسب إلى الإسلام نعذره، ونحكم بإسلامه، ونصلي عليه إذا مات، أمَّا من لا ينتسب إلى الإسلام فهذا كافر، كافر في الدنيا، وأما في الآخرة فعلمه عند الله، فالقوم الذين لم تبلغهم الدعوة وهم كفار، هؤلاء كفار في الدنيا لو ماتوا لا نصلي عليهم، ولا ندعو لهم. لكن في الآخرة، الصحيح أن أمرهم إلى الله، وأن الله تعالى يمتحنهم بما يشاء من تكليف. فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، وهذه مسألة يجب الانتباه إليها.

أما من ينتسب إلى الإسلام ولكنه على حال تكفره؛ من تَرْكِ واجب، أو فِعْلِ محرم، وهو لم يبلغه الشرع فإن القول الراجح أنه لا يحكم بكفره؛ لأنه معذور. ولهذا تجد في نصوص الكتاب والسنة كلها أو غالبها مقيدًا ببلاغ الرسالة بالعلم، أو بالتبين وما أشبه ذلك. وهذا كما قلت لكم هو مقتضى صفة الله عزّ وجل وهي أن رحمته سبقت غضبه، والحمد لله رب العالمين. ولهذا يقول {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ}. وأما من قال: {بَعْدَ ذَلِكَ} إن هذا القيد من أجل عظم الشناعة عليهم، وأن من تولى وإن لم يتبين له الأمر فهو فاسق، لكن قيده بالبعدية من أجل عظم الشناعة عليهم، فهذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن ما قيد بوصف فالوصف عائد له نفسه، لا إلى شيء آخر. وهنا الذي قيِّد بالبعدية التولي، فإذا تولى بعد أن بلغه العلم فهو فاسق.

<<  <  ج: ص:  >  >>