حتى إن الفَرَس إذا تعب أنشأ الله له ربوة من الأرض، فوقف الفرس عليها يستريح، حتى عبروا دجلة. فلما رآهم الفرس ضجوا وصاحوا وقالوا: إنكم إنما تقاتلون جنًّا، لا طاقة لكم بهؤلاء، فِرُّوا، ففروا وخرجوا من المدائن، وانكسروا ولله الحمد براية التوحيد والجهاد الذي أْنشئ على التقوى؛ لتكون كلمة الله هي العليا وليس طلبًا للشهرة، وليس من أجل القومية، أو العصبية، أو الوطن، ليس على بالهم إلا أن تكون كلمة الله هي العليا، يكون هذا القرآن هو القانون لأهل الأرض.
أهل المدائن هربوا منها، عاصمة الفرس، فجاء المسلمون وفتحوها، وكسبوا من الأموال ما لا يعلمه إلا رب العباد مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتنفقن كنوزهما -كنوز كسرى وقيصر- في سبيل الله"(١)، وأخذوا التاج -تاج كسرى- وهو الذي يجلس تحته، ويضعه فوق رأسه، مرصع باللآلئ والذهب، وما شاء الله من حلي الدنيا، فأرادوا أن ينقلوه، فلم يجدوا إلا جملين كبيرين يحملانه من المدائن إلى المدينة، فحملوه على جملين، من المدائن إلى المدينة ثم وضعوه بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -وما أدراك ما عمر- الذي عدل فعدلوا، وأمن فأمنوا، قال وهو ينظر إليه: والله إن قومًا أدوا هذا لأمناء. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: نعم يا أمير المؤمنين إنهم أمناء لأنك كنت أمينًا، ولو أنك رتعت لرتعوا؛ -الله أكبر- فهذا تاج كسرى من المدائن يوزع بين المسلمين في المدينة. من الذي
(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٦١٨).