للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو تاب حقًا ثم سوَّلت له نفسه فيما بعد فعاد، هل تبطل التوبة الأولى أو لا؟ لا تبطل التوبة الأولى، لكن يحتاج إلى توبة جديدة للعودة الأخيرة، أما التوبة الأولى فقد تمت. ولهذا نقول الشرط: العزم أن لا يعود، لا أن لا يعود، لو أنه عاد وتاب توبة نصوحًا ثم عاد، يتوب، ثم عاد، يتوب. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا كان يذنب ذنبًا فتاب منه، ثم أذنب ذنبًا فتاب منه، ثم أذنب فتاب، فقال الله تعالى: "علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" (١) لأن هذا الرجل كان مخلصًا، ولكن هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: لا ينطبق على كل تائب، إنما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام عن رجل حصل منه هذا الشيء ولكن لا يحصل لكل تائب.

الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول. فإن انقطع وقت القبول فلا توبة. وانقطاع وقت القبول نوعان: عام، وخاص. فالخاص: حضور الأجل لكل إنسان بعينه. والعام: طلوع الشمس من مغربها، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: ١٨] وإذا كان هذا الشرط محققًا، دلَّ هذا على أن التوبة واجبة على الفور؛ لأن أحدًا لا يعلم متى يأتيه الموت. فإذا كنت لا تعلم متى يأتيك الموت، لزم من ذلك أن تبادر بالتوبة، وأن يكون دائمًا على بالك


(١) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ. . .}، رقم (٧٥٠٧). ورواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>