يفيضوا من عرفة. ودلَّ على ذلك حديث جابر - رضي الله عنه - قال: فأجاز حتى أتى عرفة، قال: ولم تشك قريش أنه واقف بمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية (١)، لكنه - صلى الله عليه وسلم - أجاز حتى أتى عرفة فوقف بها؛ لأنها هي التي كانت على زمن إبراهيم.
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}:
(من دخله) أي: من دخل هذا البيت كان آمنًا. والمراد بالضمير في قوله:(من دخله) جميع الحرم. وإن كان ظاهره أن المراد به نفس البناء الذي هو الكعبة، لكن السنة دلَّت على أن الحكم عام في جميع الحرم.
وقوله:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} على قولين لأهل العلم:
فمنهم من قال: إن هذه جملة تابعة لما سبق، أي تابعة لقوله:{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، فتكون من الآيات البينات، وهي أمن من دخله حتى في زمن الجاهلية.
ومن العلماء من قال: إنها جملة مستأنفة. وهي خبرية لفظًا، إنشائية معنى، أي: من دخله فليكن آمنًا، ولا يُتعرض له. وعلى كل حال فإن المعنيين يتفقان في وجوب تأمين من دخله؛ لأنه إن كان خبرًا عما كان عليه البيت فإنه خبرٌ أقره الله عزّ وجل، وأتى به للاستدلال على الآيات البينات التي في هذا البيت، وإن كان إنشاء فالأمر واضح.
وقوله:{كَانَ آمِنًا} يعني آمنًا من أبناء جنسه، وليس آمنًا من عذاب الله، ولا آمنًا مما يريه الله منه. لكنه آمن من بني جنسه
(١) رواه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨).