ومع هذا كل هؤلاء الناس سوف يجمعون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، يسمعهم الداعي؛ لأنه لا يحول بينهم وبين صوته لا شجر ولا جدر ولا جبال ولا أودية، وكذلك ينفذهم البصر؛ لأنهم في أرض مبسوطة غير كروية، فيكون البصر يرى أقصاهم مثلما يرى أدناهم، وهذا ظاهر، فالأرض كلها مبسوطة بسط الأديم كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - (١)، وأخبر الله تعالى أنَّه يجمع الناس كلهم في ذلك اليوم من أولهم إلى آخرهم، ويجمع الجن، بل ويجمع الوحوش والبهائم: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)} [التكوير: ٤ - ٥]، ويجمع الملائكة:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}[النبأ: ٣٨]، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر: ٢٢].
وهذا اليوم العظيم دلَّ عليه السمع، ودلَّ عليه العقل، ودلَّت عليه الفطرة، ودلَّ عليه إجماع المسلمين واليهود والنصارى وكل متدين بدين. فالأدلة مجتمعة على وجوب الإيمان باليوم الآخر؛ ولهذا قال:{لَا رَيْبَ فِيْهِ}.
أما دلالة الكتاب فهي دلالة واضحة في عدة آيات لا تحصى، ودلالة السنّة أيضًا بأحاديث كثيرة لا تحصى.
وأما دلالة العقل فهي ليست على إمكانه فحسب، بل دلَّ العقل على وجوبه.
قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[القصص: ٨٥]، إن الذي فرض عليك القرآن، وأوجبه
(١) أخرجه أحمد (١/ ٣٧٥). وابن ماجه، تصريف أَبواب الفتن، باب فتنة الدجال، رقم (٤٠٨١).