لو نهيناه لذهب يشرب الخمر؛ فلا ننهاه عن هذا، لأننا نعلم أنه سينتقل إلى منكر أكبر نكارة مما هو عليه، ومن ذلك ما يذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه مرَّ ومعه صاحب له بطائفة من التتار يشربون الخمر فلم يقل لهم شيئًا. فسأله صاحبه: لماذا لا ننكر عليهم؟ قال: هؤلاء لو أنكرنا عليهم لذهبوا ينهبون أموال الناس ويستحلون حرماتهم فيتعدى ضررهم، أما شربهم الخمر فهو على أنفسهم، ودليل هذا الشرط قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨] فهنا نهى الله المسلمين أن يسبوا أصنام الكفار مع أن هذه الأصنام جديرة بأن تسبّ وسبّها قربة، لكن لما كان يترتب على سبّها مفسدة أكبر نهى الله عن سبّها، مع أن السكوت عن سب آلهة المشركين حُكمهُ أنه منكر. لكن نسكت على هذا المنكر الأخف درءًا لمنكر أعظم، إذن لابد من هذا الشرط.
الشرط الثالث: أن يعلم أن هذا مفيد، بمعنى أنه يحتمل عنده أن هذا الفاعل للمنكر أو التارك للواجب كان على جهل، وأنه قريب الرجوع إلى الحق، فإن كان يعلم أن صاحبه عالم بالحكم لكنه متمرد مستكبر فإنه لا يجب حينئذٍ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثلًا حلق اللحية اليوم معروف عند عامة الناس وأكثر الناس أنه حرام، لكنه يمرّ بك عشرة قد حلقوا لحاهم وعشرة قد أعفوا لحاهم، يعني نصف الناس تقريبًا قد حلقوا لحاهم، فهل يلزمك كلما رأيت شخصًا حالقًا لحيته في الشارع أن توقفه وتقول له: اتق الله لا تحلق لحيتك؟
نقول: ننظر قد يكون هذا الرجل تتراءى فيه الخير، وأنك