الشرط الرابع: أن يكون الآمر بالمعروف فاعلًا له، والناهي عن المنكر تاركًا له. يعني لا تأمر بالمعروف وأنت لا تفعله، ولا تنه عن منكر وأنت تفعله. فإذا كان هذا الرجل مثلًا يتعامل بالربا ووجد إنسانًا يتعامل بالربا فإنه لا يلزمه ولا يجب عليه أن يقول للثاني: يا فلان اترك الربا، فإن الربا حرام ملعون فاعله, لأنه هو يفعله، فكيف ينهى عن شيء يفعله هو؟
مثال آخر: شخص رأى رجلًا يمشي بعد الأذان عند المسجد، وقد ترك المسجد، فقال: يا فلان حرام عليك أن تترك صلاة الجماعة، ثم إنَّ هذا الآمر فتح بابه وذهب إلى أهله بعد أن أمر الرجل أن يصلي، أما هو فلم يصلِّ، فينبغي عليك إذا كنت قد نويت أن تدخل بيتك عند أهلك ولو فاتتك الجماعة، فلا تأمر غيرك أن يصلي مع الجماعة، واستُدل لذلك بقوله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: ٤٤] فوبّخ الله هؤلاء على أمرهم بالبر، ونسيان أنفسهم. وبيَّن أن هذا خلاف العقل، كيف تأمر الناس وتترك نفسك؟ هذا ليس بمعقول! فأنتم خالفتم الشرع وأنكرتم العقل، واستُدل أيضًا بما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه (يعني أمعاءَه) فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع عليه أهل النار ويقولون: ما لك يا فلان؟ ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه"(١). قالوا: وهذا يدل على شدة عقابه إذا أمر
(١) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم (٣٢٦٧).