بالمعروف ولم يأته أو نهى عن منكر وأتاه. فلا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من لا يفعل المعروف ولا يترك المنكر، وأبى هذا أكثر أهل العلم وقالوا: إن هذا خلاف الأدب لكنه محرم، يعني كونه يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله، وخلاف العقل لكنه حرام عليه، فيجب أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبدأ بنفسه، فإذا فَرَّط في حق نفسه فليس له الحق في أن يُفَرِّط في حق غيره. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عليه ولو كان هو لا يفعل المعروف ولا ينتهي عن المنكر، لأنه لو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كونه لا يفعل المعروف ولا ينتهي عن منكر فقد أتى محذورين: ترك الواجب على نفسه لنفسه، وترك الواجب على نفسه لغيره، الواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولو كان هو لا يأتمر بالمعروف ولا ينتهي عن المنكر، وهذا القول هو الصحيح، وعليه أن يوبخ نفسه ويقول: كيف آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه؟ هذا خلاف المعقول والمنقول، وخلاف الأدب مع الله، وخلاف الأدب عند عباد الله، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام من أوصافه الذي وصفه بها ملك غسان قال:(إنه ما أمر بشيء إلا كان أول فاعل له، ولا نهى عن شيء إلا كان أول تارك له) عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله له: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣]، ليس معنى (أول المسلمين) زمنًا لأن هناك أممًا مسلمة قبله لكن أول المسلمين فعلًا، يعني أنا أول المستسلمين لله والمنقادين