لأمره، فهي أولية مرتبة وليست أولية زمن، ويذكر عن عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله الواعظ المشهور صاحب كتاب التبصرة، وكان له مجلس كل يوم جمعة وفيه يعظ الناس ويحضره آلاف، حتى إنه لا ينفك يوم من الأيام إلا وقد مات في مجلسه عدد من الناس من شدة وقع الموعظة في نفوسهم، فأتاه يومًا من الأيام رجلٌ عبد فقال له: يا سيدي إن لي سيدًا يؤذيني ويتعبني ويحملني ما لا أطيق، ويضربني عليه، فأرجو منك أن تحث الناس على العتق لعل الله أن يهديه فيعتقني، فلما جاءت الجمعة انتظر هذا العبد كلام الشيخ فلم يتكلم عن العتق، ثم جاءت الجمعة الثانية والثالثة ولم يتكلم، وبعد عدة جُمَعٍ تكلم عن العتق وإذا سيد العبد حاضر فأعتقه فورًا، فذهب العبد إلى عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله وقال: لماذا تأخرت؟ قال: لم يكن عندي دراهم أشتري بها عبدًا فأعتقه قبل أن آمر الناس بالعتق. سبحان الله يقول: لا أحث الناس على العتق وأنا لم أعتق، إذا أعتقت مملوكًا أمرت الناس أو حثثت الناس على العتق، وهذا أمر مشاهد أن فاعل المعروف ينقاد الناس لأمره، وتارك المنكر ينقاد الناس لنهيه؛ لأن الناس يبصرون بأعينهم وبصائرهم ويقولون للذي يأمر بالمعروف وهو لا يفعله: هذا يضحك علينا، وهذا يلعب بعقولنا لو كان الأمر معروفًا عنده لماذا لا يكون هو أول فاعل له، ولو كان المنكر عنده منكرًا لماذا لا يكون أول تاركٍ له، فلذلك لا شك أنه من الأدب أن يكون الآمر فاعلًا لما أمر به، والناهي تاركًا لما نهى عنه، أما أن يُجعل ذلك شرطًا في الوجوب ونقول لهذا الذي لا يفعل المعروف ولا ينتهي عن