المنكر: لا يجب عليك الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولا تأثم بتركه، فهذا بعيد جدًّا؛ لأن الذين يقولون: من شرط الوجوب أن يكون فاعلًا لما أمر به تاركًا لما نهى عنه يقولون: إنه إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر في هذه الحال فإنه لا إثم عليه؛ لأن من شرط الوجوب أن يكون هو ممتثلًا. وبهذا يتبين ضعف هذا القول، وأن الواجب عليه أن يأمر بالمعروف ولو كان لا يفعله، وأن ينهى عن المنكر ولو كان يفعله، لكن يجب أن يوبخ نفسه أيضًا وتكون نفسه هي أول من يأمره بالمعروف وأول من ينهاه عن المنكر، فالشروط إذن خمسة.
ومن آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا الواجب، أن يكون لينًا في أمره لينًا في نهيه؛ لأن اللين خلق كريم يعطي الله سبحانه وتعالى به ما لا يعطي على العنف كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ذلك (١)، وكما أرشد الله إليه موسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون، فقال:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: ٤٤] يتذكر فيما تأمرانه به، أو يخشى فيما تنهيانه عنه. مع أنه مِن أعتى أهل الأرض، إن لم يكن أعتى أهل الأرض، فعلى كل حال من الآداب أن يكون الإنسان لينًا في أمره ونهيه. ومن الآداب أيضًا أن يكون مقنعًا في حجته؛ لأنه إذا أمر بالمعروف قد يقول المأمور: ما دليلك على هذا؟ وإذا نهى عن منكر قد يقول: ما دليلك على هذا؟ فلابد أن يكون عنده إقناع،
(١) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب من الرفق، رقم (٤٨٠٨)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب الرفق، رقم (٣٦٨٨).