الكافرون فبالعكس، ومن المعلوم أن الإنسان إذا بُشِّر بما يسره يستنير وجهه، وتظهر عليه علامة السرور.
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}(الفاء) للتفريع و (أما) للتفصيل؛ لأنه قال بعدها:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ}.
قوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} بدأ بذكر الذين اسودت وجوههم مع أنه أخَّر ذكرها فيما قبل لأنه قال {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}، وكان من المتوقع أن يقول: فأما الذين ابيضت وجوههم؛ لأن هذا هو الترتيب، ولكن كان الأمر بخلاف المتوقع، ويسمي علماء البلاغة هذا النوع من السياق لفًا ونشرًا غير مرتب. {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} جواب "أما" محذوف، والتقدير: فيقال: أكفرتم، وأما الجملة "أكفرتم بعد إيمانكم" فهي مقول للقول المحذوف أي: فيقال: أكفرتم.
ويحتمل أن القائل هو الله عزّ وجل، ويحتمل أن يكون القائل الملائكة، وعلى كل تقدير فالمراد بالاستفهام هنا هو التوبيخ والتنديم يقال لهم:{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ} فهذا الاستفهام للتوبيخ أي أن هؤلاء يوبخون، فيجمع لهم بين الألم البدني والألم القلبي النفسي وذلك لأن العذاب قد يكون على البدن، وقد يكون على النفس، وقد يكون عليهما جميعًا، من الناس مثلًا من تضربه ولا توبخه، فهذا العذاب على البدن، ومن الناس من توبخه في مقام يرى فيه الإكرام والاحترام فتهينه، فهذا عذاب نفسي قلبي. ومن الناس من يجمع له بين الأمرين كالكفار، فإن الكفار يوبخون في عرصات القيامة ويوبخون عند دخول النار: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ