للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت إنه أبدي فما جوابك عن قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨] فاستثنى فقال: إلا ما شاء ربك؟ فالجواب: لا تعارضُ الآيات الدالة على الأبدية هذه الآية؛ لأنها من المشكل الذي يجب رده إلى المحكم، والعلماء لهم في هذه الآية أقوال.

ولكن القول الذي يريح الإنسان أن يجعل هذا القيد والقيد الذي في أهل النار (خالدين فيها إلا ما شاء ربك) من الأمور المتشابهة، ويحمل على النصوص المحكمة فنقول: إن الله قال (إلا ما شاء ربك) مع أنه قد شاء أن يبقى هذا أبد الآبدين وهو كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور: "إنا إن شاء الله بكم لاحقون" فعلَّقه بالمشيئة مع أن اللحوق بهم لابد منه، وهذا القول يستريح به الإنسان، ولا يعترض عليه معترض كما اعترض ابن القيم رحمه الله بأن الله قال في أهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] وقال في أهل الجنة: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨].

قال: فاختلاف ختم الآيتين يدل على أن أهل النار ليس خلودهم أبديًا بخلاف أهل الجنة؛ لأنه قال في أهل الجنة: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨] وقال في أهل النار: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] وهذا في الحقيقة يدلك أن الإنسان مهما بلغ في العلم والذكاء فلن يسلم من الغلط، والفرق بين الآيتين ظاهر؛ لأن آية (السعادة) فضل فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨] وآية النار (الشقاء) عدل فقال: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>