للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجبال والدواب وغيرها، وكل مخلوق لله فهو آية من آياته سبحانه وتعالى، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

أما الآيات الشرعية: فهي ما جاءت به الكتب التي أنزلها الله على الرسل، وإن شئت فقل: ما جاءت به الرسل ليعم الكتب والسنن, ومعنى كون الشيء آية أن غير الله لا يمكن أن يحصل له ذلك أو أن يأتي به لأنه لو أمكن أن يأتي به لم يكن آية.

يقول الله عزّ وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: ٧٣] هذا تحَدٍّ بالآيات الكونية، تحدَّى الله عزّ وجل هؤلاء بأصغر آية من آياته الكونية: الذباب {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، وفي الآيات الشرعية يقول الله عزّ وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] ولهذا صار آية لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل القرآن أبدًا لا من جهة صدق الأخبار ونفع القصص وعدالة الأحكام وبلاغة الكلام إلى غير ذلك، ولو لم يكن منه إلا أنك لو تردده صباحا ومساءً ما مللته وغيره من الكلام لو قرأته عدة مرات مللته وتركته، أما القرآن فسبحان الله لا تمل، الفاتحة تقرؤها في اليوم على الأقل سبع عشرة مرة ومع ذلك تقرؤها في الركعة الثانية كأنك لم تقرأها في الركعة الأولى من إشفاقك عليها ومحبتك لها، وهذا لا شك أنه من آيات الله. إذن الآيات الكونية هي المخلوقات، والآيات الشرعية ما جاءت به الرسل. كل الشرائع آيات شرعية، وسميت آية لأنها تُعْجِز الغير، فلا يمكن أن تأتي بمثلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>