للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قال قائل: هل الصلاح أمر كسبي أو أمر فطري؟ إذا قلت: إنه أمر فطري فكيف يكون الإنسان نفسه ليكون صالحًا؟ وإذا قلت أمر كسبي فهذا أمر ممكن.

فالجواب: أن الأصل أنه فطري {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] لكنه في النهاية والغاية يكون كسبيًا، ولهذا قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (١).

وللصلاح أسباب: منها ما ذكر الله في كتابه مثل: تلاوة آيات الله، وكثرة الصلاة، والإيمان بالله واليوم الآخر، وتحقيقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهذا يشكو كثير من الناس اليوم أنه قد يجد في قلبه شيئًا من الفساد فكيف يصلحه؟ فنقول: أصلحه بما ذكر الله من هذه الأحوال لأهل الكتاب، فإن هذا من أسباب الصلاح، ولذلك قال: {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}، صحبة الأخيار من أسباب الصلاح. فهل في الآية ما يدل عليها؟ الجواب: نعم؛ لأنهم إذا كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يمكن أن يصحبوا أحدًا من أهل المنكر والشر، فيكون في الآية الكريمة إشارة إلى صحبة الأخيار، ولا شك أن صحبة الأخيار من أسباب الصلاح؛ ولهذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه مثّل الجليس الصالح بحامل المسك (٢)، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:


(١) تقدم تخريجه (ص ٢٨).
(٢) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب في العطار وبيع المسك، رقم (٢١٠١). ورواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، رقم (٢٦٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>