للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أفواههم، أي عندهم من البغضاء في القلوب أكثر بكثير مما تبديه الألسن، هؤلاء القوم المتصفون بهذه الصفات نهانا الله عزّ وجل أن نتخذهم بطانة، والنهي عن اتخاذهم بطانة يستلزم إبعادهم والحذر منهم وأن لا نركن إليهم.

وقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ}:

أي أظهرناها حتى صارت بينة مثل فلق الصبح، والآيات العلامات، وهل المراد العلامات التي وصف بها هؤلاء أو هي أعم فتشمل جميع ما بيَّنه الله لنا؟ الأَوْلَى أن نجعلها عامة، نقول: بيَّن الله لنا العلامات الدالة على الحق وعلى الباطل في هذه المسألة وفي غيرها، وقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ} يدل على أن الله تعالى له عناية خاصة في المؤمنين يبين لهم الآيات التي قد تخفى عليهم، بل هي خافية عليهم.

وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}:

يعني أنه لا يظهر بياننا للآيات إلا لمن كان له عقل يعقل به نفسه وهواه، أما غير العاقل فإنه لا ينتفع {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦، ٩٧] ويحتمل أن الشرط {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} عائد على قوله: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} والمعنى على هذا التقدير: إن كنتم تعقلون فلا تتخذوا بطانة من دونكم، أما على الأول فيكون التقدير: إن كنتم تعقلون فقد بيَّنا لكم الآيات فاعقلوها، ومرَّ علينا أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا يتنافيان فالأولى أن تحمل عليهما فيكون من العقل أن لا نتخذهم بطانة، ومن العقل أن نتبين ما بيَّنه الله لنا من الآيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>