للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثاروا حبسوا غيظهم، ومعلوم أن من أشد ما يكون على الإنسان أن يحبس غيظه، ويعرف ذلك من يكون سريع الغضب، فإنه إذا أراد أن يكظم الغيظ يجد شدة عظيمة، كأن أحدًا يصرعه صرعًا، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من تعدّون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرع -والصرعة والصرع معناه الطرح- قال: إن الصرعة من يملك نفسه عند الغضب" (١)، هذا هو الصرعة الذي إذا ثارت نفسه ملكها، فلهذا قال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} يعني إذا فعل بهم إنسان ما يغيظهم فإنهم يكظمون على شدة ومعاناة وألم، ويدل على أن الكظم فيه شدة ومعاناة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" (٢). ولهذا يجد بعض الناس إذا أراد التثاؤب شدة عظيمة في منع فتح فمه، مع أن المشروع أن تكظم ولا تفتح الفم، وقد ذكر بعض العلماء شيئًا ييسر لك الكظم، قال: إذا أصابك التثاؤب فعضَّ شفتك السفلى.

وقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} يعني الذين يكظمون أشد الغضب. وإذا كانوا يكظمون أشد الغضب فأسهل الغضب من باب أولى، كم من إنسان لا يملك نفسه عند الغضب فتجده مثلًا يكسر ما له، أو يطلق زوجته، أو ربما يلطم نفسه، أو ربما يسقط نفسه من علو، المهم أن الغضب الشديد جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى لا يدري ما يقول؛ ولهذا كان أصح أقوال أهل


(١) رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء؟ ، رقم (٢٦٠٨).
(٢) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، رقم (٢٩٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>