للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلم أن من غضب غضبًا لا يملك نفسه به فإنه لا عبرة بقوله، أيًّا كان هذا القول، سواء كان طلاقًا أو خلعًا أو لعنًا أو قذفًا أو غير ذلك، فإنه لا عبرة به؛ لأنه ليس له قصد. وبعض الناس -نسأل الله العافية- إذا غضب تغيَّب عن الدنيا لا يرى مَنْ أمامه أبدًا، ولا يسمع قول من يتكلم، وربما يتكلم بكلام مكروه ويصيحون به وهو لا يسمعهم من شدة غضبه، لهذا نقول: إن الغضب ثلاثة أقسام: بداية، وغاية، ووسط، البداية لا تؤثر؛ لأن كل إنسان يغضب، والغاية لا حكم لها، بمعنى أن كل ما صدر عن الغاضب فإنه لا حكم له. وذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان في بيان عدم وقوع طلاق الغضبان" أن ذلك بالاتفاق، والثالث: الوسط، هذا محل خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا حكم لقوله، وأن طلاقه لا يقع.

وقوله تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، العفو ترك المؤاخذة على الذنب، والمعنى هم الذين إذا أساء إليهم أحد قابلوا إساءته بالعفو، وخير من ذلك أن يقابلوه بالإحسان لكن بشرط أن يكون لديهم قدرة على الانتقام، أما من عفا لعدم القدرة على الانتقام فهذا عفو العاجز الذي لا يحمد عليه، بل يكون عفوه هذا عجزًا مذمومًا، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: ١٤٩]، فأنتم إن عفوتم عن السوء قد تعفون عن قدرة وقد تعفون عن عجز. أما الله عزّ وجل فإنه يعفو عن قدرة، وهذا هو محل المدح، أما مجرد العفو فليس بمدح حتى يكون عفوًا عن قدرة. فترك المؤاخذة على الذنب عفو وهو محمود، وخير منه الإحسان, ولكن يشترط في

<<  <  ج: ص:  >  >>