والآثام، فيسألون الله تعالى أن يغفر لهم هذه المعاصي والآثام، وإذا استغفر الإنسان ربَّه بنية صادقة وافتقار إليه فإن الله تعالى يغفر له، ولهذا قال:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}. (مَنْ) اسم استفهام وليست اسم شرط، والدليل على أنها اسم استفهام لا اسم شرط أن الفعل بعدها وقع مرفوعًا {وَمَنْ يَغْفِرُ}. ثم إن أداة الإثبات جاءت بعدها وهي {إِلَّا}، وعلى هذا نقول:(مَنْ) اسم استفهام بمعنى النفي. ويدل أنها بمعنى النفي إتيان الإثبات بعدها وهي {إِلَّا اللَّهُ}.
فإذا قال قائل: ما الفائدة من أن يأتي النفي بصيغة الاستفهام؟ فلماذا لم تكن الآية كما في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - الذي علَّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:"اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت" وهذه الآية جاءت بقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}؟ فنقول: لأن النفي بصيغة الاستفهام أبلغ من النفي المجرد؛ لأنه إذا جاء النفي بصيغة الاستفهام صار مشربًا بالتحدي كأن المستفهم يقول: ائت لي بكذا وكذا، ائت لي بأحد يغفر الذنوب إلا الله عزّ وجل، فيكون الاستفهام هنا دالًا على النفي مشربًا بالتحدي.
{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}{إِلَّا اللَّهُ} بالرفع مع أنه وقع بعد {إِلَّا} لأن الكلام مفرغ، والمفرغ: هو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه. فإذا قلت: ما قام إلا زيد، فهنا الاستثناء مفرغ لم يذكر فيه المستثنى منه. وإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد، فهذا غير مفرغ؛ لأنه ذكر المستثنى منه. وإذا قلت: ما رأيت إلا زيدًا، مفرغ لأنه لم يذكر فيه المستثنى منه. وإذا قلت: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا، فهذا غير مفرغ.