وأيضًا {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}[النساء: ١٠٤] هذه الفائدة العظيمة، هم لا يرجون شيئًا إنما يريدون علوًا واستكبارًا، خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس وأنتم ترجون الجنة، ترجون الشهادة، ولهذا قال:{وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}، والصحابة ماذا قالوا لأبي سفيان في أُحد، لما قال: يوم بيوم والحرب سجال؟ يقصد بدرًا، يعني مرة لنا ومرة علينا.
قالوا: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار (١) والعياذ بالله. إذن فالمؤمنون لا يظنون أن عدوهم لا يصيبه ألم ولا يصيبه قرح، يصيبهم، لا يهولهم دعايته الكاذبة أنه سيفعل ويفعل ويفعل، لا يهولهم هذا. إذا قتل منهم واحدًا ذاقوا ألم هذا المقتول، كما لو أنه قتل منا واحدًا ذقنا ألمه، لكن نحن نرجو من الله ما لا يرجون، ولهذا قال:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} هذه بهذه.
ثم قال:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}:
{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ} المشار إليه هنا بعيد، ولكنه في الحقيقة قريب، لأن الأيام هي الزمن فهي قريبة، لكن لما كانت الأيام منها ما هو بعيد ومنها ما هو قريب غلَّب جانب البعد {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي: نجعلها بينهم دولًا: فمرة تكون الدولة لهؤلاء على هؤلاء، ومرة تكون الدولة لهؤلاء على هؤلاء. ففي بدر كانت الدولة على المشركين، وفي أُحد كانت الدولة على المؤمنين، فهذا مرة وهذا مرة، لحِكَمٍ عظيمة بيَّنها الله سبحانه وتعالى فيما بعد.