للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قاله بعض أهل التحريف الذين ينكرون من الصفات ما ينكرون ومنها المحبة، فإنهم ينكرونها؛ ويقولون: إن الله لا يحب بل ولا يُحب، وتعليلهم أن الحب لا يكون إلَّا بين متجانسين، مخلوق ومخلوق، ولكن نقول لهم: هذا باطل. فالحب قد يكون بين شيئين متباعدين ومنه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أُحد جبل يحبنا ونحبه" (١) وهو جماد، ومن الأشياء المحسوسة الملموسة أن الإنسان يحب أثاثه وأمتعته ورواحله وسياراته ودوره؛ يحبها محبة ظاهرة ملموسة محسوسة وهي ليست من جنسه فهي من جنس آخر، بل هي أيضًا دونه؛ لأنها ملكه، فهذا التعليل الذي نفوا به صفة المحبة لله تعليل باطل.

وقوله: {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يشمل المحسنين في عبادة الله والمحسنين إلى عباد الله؛ أما المحسنون في عبادة الله فقد بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف يكون الإحسان فقال حين سأله جبريل عن الإحسان: "أن تعبد الله كأَنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (٢)، يعني أن تعبد الله تعالى طلبًا مع اليقين التام، فإن لم تصل إلى هذه الدرجة فلا أقل من الدرجة الثانية، وهي أن تعبد الله هربًا، تعبده كأنه يراك فتهرب من عقابه بالقيام بطاعته، فالإحسان حقيقة يشير فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أنَّه نوعان: إحسان بطلب، وإحسان بهرب.

الأول: أن تعبد الله كأنك تراه، فتطلبه طلب الوصول إليه.

والثاني: كأنه يراك فتخافه وتخشاه وتعظمه، والأول أكمل من الثاني. هذا هو القول الراجح في معنى الحديث، وإن كان بعضهم


(١) تقدم تخريجه في المجلد الأول (ص ٤٣٤).
(٢) تقدم تخريجه (ص ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>