للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر، هب أن العقل لا يدل على ما نفيتم من الصفات لكن السمع دلَّ عليه، وهذا كما أنَّه في الأمور المعقولات فهو أيضًا في الأمور المحسوسات، لو قلت: إن هذا الطَّرِيقِ لا يؤدي إلى مكة، هل معناه أنَّه لا يمكن أن نصل إلى مكة؟ يمكن أن نصل عن طريق آخر، فهب أن العقل لا يدل على ثبوت ما نفيتم فإننا نستدل عليه بالسمع.

رابعًا: أن نقول: بل إن العقل يدل عليه وأولى مما ذكرتم، يعني أن نثبت ما نفيتم بدليل العقل، نثبته بدلالة العقل إثباتًا على وجه يكون أظهر مما ذكرتم، فمثلًا: هم يقولون والكلام هنا مع الأشعرية: إن الإرادة ثابتة لله عزّ وَجَلَّ، لأن العقل دلَّ عليها بالتخصيص، يعني كون السماء سماء والأرض أرضًا هذا تخصيص.

ما الذي خصَّص أن تكون السماء سماء والأرض أرضًا؟ الإرادة: أراد الله أن تكون السماء سماء فكانت، وأن تكون الأرض أرضًا فكانت، إذن فهذا دليل عقلي على ثبوت الإرادة لله. ونقول: أنتم نفيتم الرحمة ونحن نستدل لها بالعقل! ألم تكن نعم الله عليكم لا تحصى؟ سيقولون: بلى لا تحصى. وهي آثار رحمة، ولهذا حتَّى العامة إذا جاء المطر وانتشر الخصب يقولون: هذه من رحمة الله أن أنزل علينا المطر وانتشر الخصب، بل يقولون: مطرنا بفضل الله ورحمته، يثبتون الرحمة لله بدليل عقلي. كذلك أيضًا الرضا يمكن أن نثبته بدليل العقل. فإثابة الطائعين تدل على رضا الله عنهم، إذ لو غضب لانتقم لكنه رضي فأثاب. فهذا دليل عقلي، فصار الذين ينكرون ما ينكرون من الصفات بحجة أن العقل لا يدل عليها محجوجين من أربعة أوجه كما ذكرناها سابقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>