للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي آية أخرى سبقت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: ١٠٠]، فهنا قال: {الَّذِينَ كَفَرُوا} وهناك قال: {فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}. لأن الذين أوتوا الكتاب بعضهم فيه خير، كما قال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: ١١٣]. وهذا من بلاغة القرآن لما قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: ١٠٠] فريقًا منهم.

أما الكفار فكل الكافرين يريدون منا أن نكفر، وأن ننقلب على أعقابنا خاسرين.

فإن قال قائل: لمَ لا نحمل قوله {فَرِيقًا} على العموم فيشمل كل أهل الكتاب لقوله: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥١] أي: كل يهودي وكل نصراني؟

فالجواب: أن يقال: الآية صريحة {فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: ١٠٠] لأن بعض أهل الكتاب معهم نصح لكن ليس كلهم، ثم إن أهل الكتاب في الحقيقة في الوقت الحاضر ليس فيهم نصح؛ لأن الذين فيهم مودة للذين آمنوا أو أقرب الناس مودة هم الذين إذا {سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٨٣]، هؤلاء قريبون من المؤمنين، يتأثرون بأدنى دعوة ويدخلون في الإسلام، أما نصارى اليوم فالظاهر أنهم كيهود الأمس معاندون ضد الإسلام، ولا يريدون أن تقوم للإسلام قائمة. ولكن الإسلام دين الفطرة تتقبله النفوس وتطمئن إليه، وهو أمر يحث الدعاة المخلصين من المسلمين، والقلوب بيد الله عزّ وَجَلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>