و {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} أي بشركهم بالله، وحيث جعلوا لله تعالى شركاء، ولكن هؤلاء الشركاء الذين جعلوهم مع الله إنما جعلوهم شركاء في العبادة لا في الربوبية، ولهذا كان شرك العرب شركًا في الألوهية لا في الربوبية {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف: ٩]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: ٨٧] {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥]، فهم يقرون بأن الله هو الخالق، وأن ما في الكون ملكه، لا ينكرون هذا لكنهم يشركون في العبادة، فيعبدون مع الله غيره، ومع ذلك يدَّعون أنهم يعبدون هذه الأصنام لتكون شفعاء لهم عند الله، فهم يقرون أيضًا أنها دون مرتبة الله لكن يعبدونها {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣] أي يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
يقول:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}:
(ما) تحتمل أن تكون اسمًا موصولًا أي الذي لم ينزل به سلطانًا، وتحتمل أن تكون نكرة موصوفة أي شيئًا لم ينزل به سلطانًا، والمعنى لا يختلف على التقديرين، فقوله:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ} فيها قراءتان: يُنَزِّل، وُينزِل، أي بالتشديد والتخفيف.
وقوله:{سُلْطَانًا} أي حجة وبرهانًا فيجعلون لله شركاء لم ينزل الله بهم سلطانًا أي ليس لهم بهم حجة.
وقوله:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} القيد هنا لبيان الواقع وليس للاحتراز، أي أن واقع هؤلاء الشركاء أنه لا سلطان لشركهم ولا دليل، وليس المعنى أنهم يشركون ما لم ينزل به ولو