الدنيا والذين يريدون الآخرة، حتى في طلب العلم، من الناس من يريد الدنيا، ومن الناس من يريد الآخرة، ومن الناس من يريد الجاه والرفعة والسيادة؛ لأن العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والشرف، ومنهم من يريد الآخرة: أن يحفظ شريعة الله، وأن يعلِّم عباد الله، وأن يتعبد لله على بصيرة، وما أشبه ذلك، فهذا حال الناس كلهم، منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة.
وقوله عزّ وجل:{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ}:
{ثُمَّ} أي بعد أن صدقكم الله وعده بحَسِّهم -أي بقتلهم- صرفكم عنهم، يعني: بعد أن فشلتم وتنازعتم في الأمر، وعصيتم صرفكم عنهم، وتأمل قوله:{صَرَفَكُمْ} فإن الصرف يقتضي إقبالًا شديدًا يُعاني فيه المقبل حتى يصرف، كما تقول: صرفت الدابة عن العلف وما أشبه ذلك، فيفيد بأن المسلمين كانوا مقبلين جدًّا على هؤلاء الأعداء لكن صرفوا عنهم مع شدة رغبتهم في القضاء عليهم؛ لأنه كان لهم النصر في أول الأمر لكن صرفوا عنهم.
وقوله:{لِيَبْتَلِيَكُمْ} أي ليختبركم؛ والابتلاء في الأصل الاختبار والامتحان، ويكون في الخير ويكون في الشر، قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥]، وقال سليمان عليه السلام لما رأى عرش بلقيس حاضرًا عنده مستقرًا أمامه قال:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل: ٤٠] فالخير ابتلاء، والشر ابتلاء، الشر يبُتلى به الإنسان ليصبر، والخير يُبتلى به ليشكر؛ فكله ابتلاء، ولهذا قال: {لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا