للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْكُمْ} هذه الجملة أيضًا مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم المقدر لأن الأصل: والله لقد، واللام، وقد، وإنما أكدت الجملة هنا والجملة هناك في قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} لأنه قد يتبادر من الوقائع خلاف ذلك، فمثلًا في الجملة الأولى {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} قد يتبادر من كون الهزيمة في آخر الأمر على المسلمين أن الله لم يصدقهم وعده، فأكد ذلك بقوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}، هذا النصر. والثانية لما ابتلوا بهذه البلوى قد يتبادر إلى الذهن بأن الله سوف يعاقبهم على معصيتهم وتنازعهم وجبنهم فقال: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} فكان التأكيد هنا وفي أول الآية في غاية ما يكون من البلاغة؛ لأن المقام يقتضي التأكيد.

وقوله: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} العفو بمعنى التجاوز، ويكون للإنسان محمودًا ويكون مذمومًا، فإذا كان مع القدرة فهو محمود، ويكون مذمومًا إذا كان مصدره العجز، فلا يُحمد عليه الإنسان؛ لأن هذا يدل على ضعفه وعدم أخذه لنفسه بالحق. أما عفو الله فهو بلا شك كائن مع القدرة؛ لأن الله عزّ وجل قادر على أن يعاقب لكنه يعفو سبحانه وتعالى مع القدرة كما قال تعالى: {كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: ١٤٩].

وقوله: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} يشمل كل من وقعت منهم المخالفة، وهذا من فضل الله عليهم، ويجدر بنا هنا أن نذكر قصة عجيبة: جاء رجل من الخوارج إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو مستظل بالكعبة، فوقف عليه بعد أن سأل عنه فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا عبد الله بن عمر. فسأله عن أمير المؤمنين عثمان، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>