فتنشط وتعمل ما فيه الخير العام، بخلاف ما إذا استبد ولي الأمر في رأيه، فإنه وإن كان صوابًا ربما تشمئز النفوس منه فيقولون مثلًا: لم يرجع إلينا، لم يشاورنا في هذا الأمر الكبير وما أشبه ذلك.
خامسًا: أنه إذا اجتمعت الآراء مع حسن النية فإن الغالب أن الله يوفقهم للصواب.
سادسًا: أن الإنسان ربما يرى في هذا الأمر مصلحة ويفوته ما يترتب عليه من مفسدة لاسيما إذا كان له هوى، فإن الهوى كما قيل: يُعمي ويُصِم، أحيانًا يكون للإنسان هوى فيرى المصلحة ولا يرى المفسدة في الشيء، فإذا حصل التشاور تبينت المصالح من المفاسد.
سابعًا: ومن فوائد المشورة أيضًا: أن الأمة إذا اجتمعت على رأيها لم يكن للناس اعتراض، ومعلوم أن الذي يُشاوَر هم أهل الأمانة وأهل الحل والعقد والمعرفة، فإن ولي الأمر إذا أشكلت عليه المسألة الشرعية يشاور علماء الشرع، وإذا أشكلت عليه مسألة سياسية يشاور علماء السياسة، وإذا أشكلت عليه مشكلة اجتماعية يشاور علماء الاجتماع، وإذا أشكلت عليه مسألة جيولوجية يشاور علماء الجيولوجيا، وإذا أشكلت عليه مسألة طبية يشاور علماء الطب. والمراد أن يجعل مستشارين لكل حال ما يناسبها؛ لأن من شرط الاستشارة أن يكون المستشار ذا رأي سديد وأمانة، ومعلوم أنك لو استشرت عالمًا من علماء الشرع من أحسن العلماء في مسألة طبية لم يقدر أن يقول لك شيئًا.
إذن الاستشارة تكون في كل إنسان بحسب ما يناسبه؛ لأن المستشار مؤتمن.