للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسرة أحبّ إليّ من احتمال المنّة.

«٣٧٢» - قال قدامة بن زياد الكاتب: دخلت والحسن بن وهب إلى محمد بن عبد الملك الزيات وعنده جماعة من خاصّة إخوانه، فجعل الجماعة منهم يشكون أحوالهم والحسن ساكت، وكنت فيمن شكا، فقال له محمد: يا أبا عليّ، إن كانت حالك تستغني عن الشكوى فإنّ ذلك يسرّني، وإن كانت على غير ذلك وأنفت من الشكوى إليّ لقد سؤتني، فقال الحسن: لا ولكني أخذت بقول الكميت حيث يقول [١] : [من الطويل]

صموت إذا ضجّ المطيّ كأنّما ... تكرّم عن أخلاقهنّ وترغب

«٣٧٣» - قال الجاحظ: إنّ الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفّق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلّهم الملك والسياسة، أو التجارة والفلاحة، وفي ذلك ذهاب المعاش وبطلان المصلحة. فكلّ صنف من الناس مزيّن لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خرقا قال: يا حجّام، والحجّام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: يا حائك، فأراد الله تعالى أن يجعل الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبّر حكيم. وترى البدويّ في بيت من قطعة كساء، معمّد بعظام الجيف مع كلبه، لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بول الإبل، وطيبه القطران وبعر الظباء، وحلي امرأته الودع وثمار المقل، وصيده اليربوع في مفازة لا يسمع فيها إلّا نئيم بومة، وزقاء هامة، وعواء ذئب، وهو راض بذلك مفتخر به.


[١] ح: إذ يقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>