المؤمنين ما فهم وإن قلّ، وإني مقتصر على الاقصار مجتنب لكثير من الإكثار.
أشخصني إليك وال عسوف ورعية ضائعة، وانك إن تعجل تدرك ما فات، وإن تقصّر تهلك رعيتك هناك ضياعا، وها فخذها إليك قصيرة موجزة. فقال سليمان: ادع لي رجلا من الحرس فاحمله على البريد وقل له: إذا أتيت البلاد فلا تنزل من مركبك حتى تعزله، ومن كانت له ظلامة أخذت له بحقّه. ثم أمر للحكيم بمال فأبى أن يقبل وقال: إني والله يا أمير المؤمنين أحتسب سفري على الله عزّ وجلّ، وإني أكره أن آخذ عليه من غيره أجرا. قال: انطلق بارك الله عليك. فلما ولّى قال سليمان: ما أعظم بركة المؤمن في كلّ شيء.
«٦٠٥» - أتي المنصور ببشير الرحّال ومطر الوراق مكبّلين، وقد كانا خرجا مع إبراهيم بن عبد الله فقال لبشير: أنت القائل أجد في قلبي غمّا لا يذهبه إلّا برد عدل أو حرّ سنان؟ قال: نعم. قال: فو الله لأذيقنّك حرّ سنان يشيب منه رأسك، قال: إذن أصبر صبرا يذلّ به سلطانك، فقطعت يده فما قطّب ولا تحلحل، وقال لمطر: يا ابن الزانية، قال: إنك تعلم أنها خير من سلامة، قال: يا أحمق، قال: ذاك من باع دينه بدنياه، فرمي به من سطح فمات.
٦٠٦- ظلم كبير من بني أمية حجازيا في ماله، فما تظلّم منه إلى أحد إلّا ضلع للأمويّ عليه. فخرج إلى سليمان وجعل لخصيّ أثير عنده مائتي دينار ليوصله إليه خاليا، فأوصله إليه حين سلّم في صلاته وجعل يدعو ويخطر بإصبعه نحو السماء ويتضرّع. فلما رآه كذلك رجع عنه، فسأل عنه سليمان وأمر بطلبه حتى صودف خارجا من باب دمشق، فأدخل عليه بعد شدّة شديدة [١] وإلحاح،