للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثر الاستخارة لله والاستنجاد به. واعلم أنّ من كان مطيّته الليل والنهار يسار به وإن كان لا يسير، وأن الله تعالى قد أبى إلّا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فان تزهد فيها زهدك كلّه فلعلّ ذلك يقيك. وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، فانك في ديوان من كان قبلك، فأكرم نفسك عن كلّ دنيّة، وإياك إن ساقتك إلى رغب فانك لن تعتاض بما ابتذلت من نفسك. واياك أن توجف بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أؤخره يذهب، فان هذا أهلك من هلك قبلك، وأمسك عليك لسانك، فان تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك ما فات من نطقك. واحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء، فحسن التدبير مع الاقتصاد أكفى لك من الكثير مع الغناء، والعفّة مع الحرفة خير من السرور مع الفجور. والمرء أحفظ لسرّه. وربّ ساع في ما يكره. وإياك والاتّكال على الأماني فانها بضائع النّوكى وتثبيط عن الآخرة والأولى. ومن خير حظّ قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرّ تبن منهم. ولا يغلب عليك سوء الظنّ فانه لا يدع بينك وبين خليل صلحا.

أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومن الكرم منع الحرم. ومن حلم ساد، ومن تفّهم ازداد.

امحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، ولا تصرمه على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب. وليس جزاء من يسرّك أن تسوءه.

الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك وان لم تأته أتاك. واعلم يا بنيّ أن ما لك من دنياك إلا ما أصلحت به مثواك، فأنفق من خيرك، ولا تكن خازنا لغيرك. وإن جزعت على ما تفلّت من يدك، فاجزع على ما لم يصل إليك. وربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده. لم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر من زهد.

من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه. ورأس الدين اليقين؛ وتمام

<<  <  ج: ص:  >  >>