للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منك في اليوم الذي خلّفت [١] . وإذا قمت إلى الصلاة فأحسن الوضوء ثم صلّ صلاة المودّع فانه يوشك أن تصلّي صلاة لا تصلّي بعدها. ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: أشكو إلى الله بعد المفازة وقلّة الزاد. وهذه الوصية مثل التي قبلها إلا ألفاظا يسيرة.

٩٨٦- كتب سفيان الثوري إلى عبّاد بن عباد: أما بعد فانّك في زمان كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتعوّذون أن يدركوه في ما بلغنا، ولهم من العزم ما ليس لنا ولا لك، ولهم من العمل ما ليس لنا ولا لك. فكيف بنا وقد أدركناه على قلّة علم وبصر، وقلّة أعوان على الخير، وكدر من الدنيا، وفساد من الناس؟ فعليك بالعزلة وقلة مخالطتهم فان عمر يقول: إياكم والطمع فانه فقر حاضر، وإن اليأس غنى، وفي العزلة راحة من خليط السّوء. وكان سعيد بن المسيب يقول: العزلة عبادة. وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، والنجاة في تركهم فيما ترى. وإياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء. وإياك أن تخدع فيقال: ذلك رجل تشفع فيه تردّه عن مظلوم أو تردّه عن مظلمة، وإنما ذلك خديعة إبليس اتّخذها فخا. وكان يقال: اتقوا فتنة العابد وفتنة العالم فان فيهما فتنة لكلّ أحد [٢] . وإياك أن تكون ممن يحبّ أن يعمل بقوله أو يسمع من قوله، فاذا لم تزل كذلك فقد عرفت. وإياك وحبّ الرياسة، فان الرجل تكون الرياسة أحبّ إليه من الذهب والفضة، وهذا باب غامض لا يبصره إلّا البصير من العلماء. واعمل بنية فان الحسن رحمه الله كان يقول: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فانه ما من عبد يعمل حتى يهمّ، فان كان له مضى، وإن كان عليه أمسك، فان النيّة ليست كلّ ساعة تقع. وان طاووس قيل له: ادع لنا بدعوات فقال: ما أجد الآن لذلك نيّة. وكان حذيفة رضي الله عنه يقول:

يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بمثل دعاء الغريق. وسئل حذيفة


[١] س: يخلف.
[٢] س: فتنة مفتون.

<<  <  ج: ص:  >  >>