للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم والمعرفة أن تكفّهم العادة الجارية، وإذ لم يحجزهم التأمل والروية أن تحجزهم التجربة المتكررة. وكفى بنا وبهم استطالة عليهم منّا، وانحطاطا منهم عنّا، أنّا على ذلك نكافحهم مراقبين لله تعالى، ويواجهونا محتربين [١] على الله، حتى كأنّ تلك العادة لهم جرت لا لنا، وكأنّ بأس الله حلّ بنا لا بهم، فلهذا تنجلي عواقب ما بيننا وبينهم عن قهر جميعهم، وفضّ جموعهم، والاستظهار عليهم، والإحاطة بهم. فالحمد لله رب العالمين حمدا عائدا آخره إلى الابتداء، ومستمرّا لا إلى غاية وانتهاء. وذلك أبلغ ما يقوله ذو الأجل المحدود، في شكر المنعم المتفرّد بالخلود. ووفّر الله حظّ مولانا من دعائي هذا وكلّ دعاء صالح سمع مرفوعه وأجاب مسموعه، بمنّه وطوله، وقدرته وحوله.

وكان إسحاق وجعفر الهجريّان، ومن وراءهما من الأهل والأقران، أظهروا ما أظهر أشياخهم قبلهم من شعار المسلمين، وأقاموا الدعوة لمولانا أمير المؤمنين، وعقد بيني وبينهم ذمام اقتضاني الوفاء والمحافظة عليه، والرجوع في كلّ ما يجري بيني وبينهم إليه. فلما كان مذ مديدة بلغني أنّ هذين المسمّين منهم سارا إلى البصرة في جموع أكثفاها، وطوائف حشراها [٢] ، ثم نحيا إلى الكوفة، فقدّرت أنّهما مجتازان عليها الى بعض الفلوات، لمطالبة سكّانها من العرب الذين على طاعتهم بالاتاوات، على عادة لهم بذلك قد عرفت، وسنّة قد ألفت، فلم يكن عندي من الاهتمام بأمرهما والاستعداد لهما إلا ما يجب للضيف الطارق والزائر الوافد، من مكاتبة العمال بإحسان عشرتهما وإجمال معاملتهما، وإقامة الأزواد لهما ولمن في جملتهما. فحين أناخا من الكوفة بالفناء، وخالطا من كان بها من العمّال والأولياء، تأوّلا بصغائر من الأمور لا عذر للمعتذر بها، ولا حجّة للمعوّل عليها، فخلعا الرّبق المحيطة بالأعناق، وأبديا الصفحة بالعناد والشقاق، وغيّرا الخطبة عن رسمها، وأقاماها على خلاف واجبها، وانتميا إلى طاعة بعض


[١] م: متجبرين.
[٢] م: وطرائق تمماها.

<<  <  ج: ص:  >  >>