للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأهل تمويها على الأولياء، واجتذابا لهم إلى الازورار والالتواء، ولم يعلما أنّهما في ذلك يستهيجانهم فضل استهاجة، ويستزيدان من استثارتهم لدفعهما لما يعتقدونه في طاعتي من مصارمة كلّ مصارم لي وإن مسّ نسبه، وعداوة كلّ معاد وإن قرب منتسبه، ولأنهم كانوا يلقونها لو تركا هذا الاعتزاء، واطّرحا هذا الانتماء، بالقليل من الفكر فيهما، والكثير من الاستهانة بهما، فكأنّهما بما لجآ إليه من تلك الدعوى الباطلة، إنما استكثرا من حتفهم، واستوفرا من بأسهم، كل ذلك زلل في الرأي وخلل، وخطا في التدبير وخطل، فما تركت مع أول معرفتي بما فعلاه التمسك بالمعتقد الصحيح، والجري على الخلق السجيح، أن تقدمت إلى أبي الريان حمد بن محمد- أدام الله عزه- بمكاتبتهما بما دعيا فيه إلى رشدهما، واستنزلا به عن مركب غيّهما، وعرّفا أنّي أسعفهما بشيء إن كانا يسألانه، وأجيبهما إلى ما تجوز الإجابة إليه مما يلتمسانه، إذا تلافيا ما أقدما عليه، وعفّيا على ما أجريا إليه، فما ازدادا بذلك إلّا إصرارا على المنافرة، واستبصارا في المجاهرة، اغترارا بقوتهما، وكانت ألوفا من الرجال، وبمن التفّ إليهما من عشائر السواد ودعّار البلاد، وهم نحو عشرين ألف رجل. فأمرت حينئذ أبا الريان بالانتقال في مخاطبتهما عن التأنّس إلى التحمّس، وعن التلطّف إلى التعسّف، تقديما للنذر ونبذا للعذر، زمجرة الليث قبل الافتراس، ونضنضة الصلّ قبل الانتهاس، وانباض النابل للنذير، وإيماض السائف للتحذير، فأبيا إلّا تهافتا على الشرّ، كتهافت الفراش على الشّهاب، وهجوما على الأولياء كهجوم النّقد على ليوث الغاب.

منها:

وتقدّم أبو مزاحم بجكم الحاجب في عقد جسر على الفرات حتى عبر، فاصطكّ الجمعان، وتطاعنا وتضارب الفريقان، واشتدّت المعركة، واحتدمت الملحمة، ثم أسفرت العاقبة، وانجلت العجاجة، عن فقد ابن الجحيش هذا مرتثّا بضربات قد أثخنته، وقتل ألوف من أصحابه، وأسر كثير من أبطاله،

<<  <  ج: ص:  >  >>