شئت ربّعت بسليمان بن داود فليس دونهم في العجب، كان يأكل خبز الشعير في خاصّته ويطعم أهله الخشكار ويطعم النّاس الدرمك «١» ، فإذا جنّه الليل لبس المسوح وغلّ اليد إلى العنق وبات باكيا حتى يصبح، كلّ هذا منهم: يبغضون ما أبغض الله، ويصغّرون ما صغّر الله، ويزهدون فيما فيه زهّد. ثم اقتصّ الصالحون بعد منهاجهم، وأخذوا بآثارهم، وألزموا أنفسهم الذكر والعبر، وألطفوا الفكر، وصبروا في مدة الأجل القصير عن متاع الغرور، والذي إلى الفناء يصير، [ونظروا] إلى آخر الدنيا ولم ينظروا إلى أولها، ونظروا إلى باطن الدنيا ولم ينظروا إلى ظاهرها، ونظروا إلى عاقبة مرارتها ولم ينظروا إلى عاجلة حلاوتها، وأنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحلّ الشبع منها في حال «٢» الضرورة إليها، فأكلوا منها قدر ما ردّ النفس وبقّى الروح ومكّن من النوم.
[٣٥١]- ومن كلام الحسن: لا تغتّر يا ابن آدم بقول من يقول أنت مع من أحببت، فإنه من أحبّ قوما تبع آثارهم، واعلم أنك لم «٣» تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم وحتى تهتدي بهداهم «٤» وتقتدي بسنتهم، فتسلك مسلكهم، وتأخذ طريقتهم، وإنما ملاك الأمر أن تكون على استقامة. والله إنما هلك من هلك حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا. يا ابن آدم ما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبّون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في العمل والقول وسلكوا غير طريقتهم فصار موردهم إلى النار، فتعوّذ بالله من ذلك «٥» . قال الله عز وجل: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا