للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صفحتي يديك [١] ، فقلقت بما طرقك قلق المساهم في الوجد بها، المهتم بتشعّث حالك من بعدها، العالم بعدم النظير لها. وأين لك مثلها في قناء الأنف وإنافته، وانتصاب القرن وصلابته، وحمرة اللون وكمتته، وزرقة العين واتساعها، وكبر الضروع وانسدالها، والدرّ الذي لا ينزف، والإتآم الذي لا يخلف. وكيف لا تكون كربتك لازمة، وحسرتك دائمة، وقد عدمت بها جاها عريضا، وذكرا مستفيضا، وجلاء للقلب والنظر، وقضاء للشهوة والوطر، ومادة معينة على الاتصال [٢] ، وسببا ينصرك [٣] بأهل البذل والنوال، فألطافك منها مشتهاة محبوبة، وتحفك بها مستدعاة مطلوبة، وهداياك مشهورة على الأطباق، وتحاياك موصوفة بالقبول نصبتها نصب الدّبق، وجعلتها سلّم الرزق، فهي تستأذن لك إذا طرقت، وتؤمّنك التثقيل إذا أشفقت. فأنت بها صاحب سرّ الكيمياء، والظافر عنها بحصول الكفاف والثراء. لكنها الأيام ذات الألوان والتبدل، والحؤول والتنقّل، فالإنسان منها بعرضة المخاوف والأخطار، وعلى فرصة أحكام تجري وأقدار، لذّتها منقطعة زائلة، وسعودها غائرة آفلة، بينما ترضعه درّها مختارة طائعة، وتلبسه زينتها رائقة ناصعة، وتجنح إليه مساعدة موثرة، وتقبل عليه ضاحكة مستبشرة، حتى يمرّ مذاقها فلا يساغ، ويذهب رونقها فلا يراغ، وتجمح نافرة فلا ترجع، وتعرض مزورّة فلا تعطف، عادة جارية مستقرة، وسنّة ماضية مستمرة. فاسترجع أيها الحاجب- أيّدك الله- تذكّرا واستبصارا، واصطبر تفكّرا واعتبارا، وإن غلبتك الدموع فأجرها استرواحا، وإن هممت بالصلف فرفقا لا اعتسافا، فبماء العين تطفأ نار الوجد، وبصكّ الأخدعين يشفى غليل القلب. وكلّ ذاك حقير في جنب ما لحقك، ويسير في عظيم ما طرقك.


[١] م: خديك.
[٢] ب: الافضال.
[٣] م ب: ينظرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>